Feeds:
المقالات
التعليقات

الدنيا تدور بك، يلفك الشعور بالغدر والخيانة, تتهاوى أمام عينيك سنين حياتك وشبابك الضائع وعافيتك المهدرة، اغبرت أحلامك الوردية بحياة هانئة مع فارس الأحلام الذي – غالبا- ما ترجل عن فرسه ويكاد يمشي متكئاً على عكازه.. كل ذلك حين عرفتِ أو أخبرك هو أو وشى واشٍ – لا يهم- بأن زوجك تزوج ..

قد ينزل عليك برود ثلجي وقد تنهارين باكية، وقد يُغشى عليك.. تتفاوت ردود الأفعال، ولكنك بالتأكيد ستشعرين – ولو لوهلة- بأنك طُعنت من الخلف.. بأنك حائرة, خائفة, بأنك في صحراء وحيدة فريدة بعدما خذلك أقرب الناس إليك. عندها تتجلى أعراض الصدمة العاطفية، كلها أو بعضها: الإنكار و عدم التصديق في البداية، ثم الغضب والتهيج، ثم الشعور بالذنب وإلقاء اللائمة على النفس ثم الغرق في الحزن العميق واليأس، وقد يصل الأمر إلى القلق والخوف والرغبة في اعتزال الآخرين والاكتئاب.. ثم تأتي ثالثة الأثافي حين يبدأ “المخلصون والمخلصات” بإسداء “النصائح” المهلكة من ترك المنزل وطلب الطلاق و رمي الأولاد ومحاولة تذكر سيئاته لتكرهيه والتنكيد عليه بل وربما اللجوء للسحر … الخ

ولما كان العيش في نكد قطعة من عذاب كانت هذه الرسالة في نقاط، من أخت شفيقة، ولا يبعد أن تكون مجربة، تريد بها لك حياة أفضل وسعادة أقرب.. ليس هدفي إقناعك بأهمية زواج زوجك فهذا أمر لا يخصني وقد لا يكون زواجه لسبب مهم أصلاً، ولكن هدفي – مادام أن هذا الأمر المؤلم قد وقع- أن أساعدك في تخطي هذه المرحلة بسلام ، فالسلام النفسي والحياة الطيبة هي ما ننشد.

1-      ضعي في اعتبارك أن رسالتي هذه لا تشمل كل من تزوج عليها زوجها ، وإنما تختص بمن تزوج عليها زوجها وهو يحبها وهي لا تريد أن تفارقه ، فلا يدخل فيها من أراد التزوج هروباً من زوجته أو كرهاً لها أو تخلصاً منها ، أو من عافته نفسها فلا تريد معه بقاء .

2-       ما تشعرين به من مشاعر سلبية كلها حق ، ويحق لك ، فليس من السهل أن تعيشي مع شخص قد تكونين وهبت له كل حياتك ، وأخلصتِ له في العطاء “فيكافئك” بضرة “تضرك” في سعادتك وتقاسمك أيام زوجك وأمواله واهتماماته .. لك كل الحق في مشاعرك ، ولكن نصيحة مني ، لا تتمادي في هذه المشاعر .. أعط نفسك حقها في الغضب والاستياء والحزن دون أن تتلفظي بما يغضب الرب، لشهرين أو ثلاثة ثم حاولي أن تتوازني من جديد .. إذا أردتِ أن لا تعيشي في نكد ، فلابد أن ينبع ذلك من أعماقك وتكونين أنت طبيبة نفسك ، فتنتشلينها من أحزانها في الوقت المناسب وتضعينها على المسار الصحيح .. استعيني بالله، وتذكري حقيقة الحياة الدنيا وما جُبلت عليه من أكدار، واتخذي صديقة عاقلة لتنير لك الدرب إذا أظلم.. بعض الناس يهوون العيش في جو النكد والحزن ، ويعتبرون ذلك رومانسية ، يذكون أوارها بالتفرج على الصور القديمة والاستماع إلى الأغاني العاطفية ، وتذكر الذكريات السعيدة ، فتعلو التنهدات وتنسكب العبرات و… مهلاً مهلاً.. (ترى الرجّال تزوج بس ما مات).. وأكاد أسمع إحداكن تهتف من الخلف: ليته مات ولا تزوج!

3-   لماذا تزوج ؟  أنت – تقريبا- ممن قيل فيهم: كامل الأوصاف فتنّي! جميلة ولبقة، وطباخة ماهرة، ولماحة، وأنجبتِ له البنين والبنات، ولم تنقصي في حقه شيئاً، فلماذا تزوج؟ “فراغة” عين؟ غدر وخيانة؟ ينقصه شيء؟ ربما، وربما لا.. أياً كان السبب، فليس في الشرع ما ينص على وجوب وجود سبب قوي لإباحة تعدد الزواج للرجل، فهو مباح على الإطلاق مادام قادراً وعادلاً في النفقة والمبيت .. ولكن دعيني أسألك سؤالاً مماثلاً : لماذا أنجبتِ طفلك الثاني، والثالث والرابع ؟ لِم لم تكتفي بالأول ؟ هل إنجابك للبقية غدر وخيانة له؟ هل ضَعُف حبك للأول أم هو باقٍ على حاله؟ ألا تسمعين أن حب الأم الأعظم -غالباً- لبِكرها، وأن هذا الحب يصمد على مدى السنين مالم يحوّل بكرها مساره فيصبح عنيداً، سيء الطباع، متوحشاً.. واللبيب بالإشارة يفهم !

4-   ينبغي التنبه إلى حقيقة تغيب كثيراً عن أذهان الناس حين يتعامل الجنسان معاً، وهي اختلاف طبيعة الرجل عن طبيعة المرأة، فيظل كل جنس يعامل الجنس الآخر كما لو كان مثله في تفكيره وردود أفعاله وتفضيلاته، والحقيقة أن كل جنس يختلف في كثير من الأمور عن الجنس الآخر، ويجب أن يعي الطرفان هذا الأمر لتجنب المشاكل ، سواء كانت العلاقة علاقة زواج أو أخوة أو عمل.. لماذا تزوج؟ تزوج لحاجة في نفس الرجل من حب النساء وفرض السيطرة والهيمنة وحمل المسؤولية والقيادة .. أشياء لا تكاد تستوعبها النساء جيداً، لأن الطبائع تختلف.. المهم أن تحذفي عن رأسك فكرة الخيانة.. لا تنسي أن ثقافة المجتمع على تخوين من يفعل ذلك، مع اعتقاد حلّه له بموجب الشرع.. حلال ولكنه خائن.. تناقض، أليس كذلك؟

5-  تذكري أن الشيطان للإنسان بالمرصاد، وأن أحب ما يكون للشيطان افتراق الزوجين، فيحاول أن يوقع بينك وبين زوجك بالوسوسة لكليكما . أنظري معي لهذا السيناريو المحتمل: قد تلحظين أن الزوج يسيء التصرف أحياناً، فيتكلم بفظاظة أو يتصرف بجفاء أو يسيء التعامل فيبخل أو يقصر في واجباته وذلك منذ الأسابيع الأولى لزواجه، فيقع في نفسك أنه زهد فيك، أو أن الأخرى قد غيرته وسلبت لبه وأنسته إياك، فهنا يتحرك الشيطان ويوسوس لك ليحدث أحد أمرين: إما أن تسوء طباعك كنتيجة تلقائية للدفاع عن “ممتلكاتك”، أو يغشاك حزن قوي و همّ ثقيل فتكاد عيناك أن تفقد بريق الحياة.. لا أريد لأي من الأمرين أن يحدث.. لنغير بعض الشيء من طريقة تفكيرك في السيناريو السابق.. ماذا لو فكرتِ أن زوجك –وأكرر ، الزوج الذي تزوج وهو يحبك- ارتبك في هذا الوضع الجديد: امرأة جديدة يراها حين يستيقظ، رائحتها مختلفة، ضحكتها مختلفة، طبخها مختلف، غنجها وغضبها مختلف، عليه أن يعتاد الآن هذه الحياة الجديدة جداً بعدما اعتاد على حياته الأولى معك، ولاشك أن سيقع في خراقات كثيرة حتى يتوازن، كوني صبورة ولا تجعلي للشيطان عليك سبيلاً. سيحتاج إلى بعض من الوقت ليتوازن بينك والثانية، كما تحتاجين أنت للكثير من الوقت حتى تتوازني بين الطفل الأول والتالي!

6-   شبه قاعدة: الزوجة الأولى تحظى بميزات لا تكاد توجد في غيرها، فهي حبه الأول، أول من قبّل، وأول من جامع، صاحبها في شبابه، في صبوته، صفا لها وداده وهشت لها نفسه.. وكان قلبه خالياً من غيرها فتمكنت، ولو أتت له بعيال فقد حازت المكان الرفيع والحظوة العالية .. أين للثانية كل ذاك المجد؟ تزوجته الثانية وقلبه مشغول بحب الأولى التي تعرف ما يحب فتفعله وما يكره فتتجنبه، وعلى الثانية طريق طويل مليء بالصعاب لتستكشف مجاهيل هذا الزوج الجديد، وللأسف لن يتسنى لها ذلك كل يوم ، وإنما كل يومين!! هل علمتِ مقدار ما تتقدمينه عن الثانية المسكينة؟ ولكن احذري.. لاتغتري بهذا المجد إذ أنه سرعان ما يتهاوى أمام سوء أخلاقك وشراستك التي قد تلجئين إليها دفاعاً عن “ممتلكاتك”.. الحقيقة أنه ليس ملكاً لك ولا لها.. هو مِلك نفسه، وسوف يعذرك في البداية ولكن لا أعدك أن يستمر ذلك إن طال عليه الأمر، وسيبدأ بالانتباه إلى أن هناك أخرى تحاول جاهدة الوصول إلى المكانة الأولى في الحين الذي تتراجع فيه صاحب المكانة الأولى بسوء أخلاقها.

7-   لا  تجعلي زوجك محور حياتك التي عليه تدور.. نعم، هو جنتك ونارك في وجوب طاعته بالمعروف، ولكن من قال أنه يجب أن يكون مصدر سعادتك وتعاستك؟ هناك أمور أخرى غيره يجب أن تشغل بالك، وأولها وأحقها: نفسك.. لا تجعلي زواجه بالثانية يطفئ عليك سعادتك وثقتك بنفسك.. ابحثي عما يسعد خاطرك.. قد تجعلك هذه المحنة تكتشفين مواهب وقدرات ما عهدِتها في نفسك من قبل فالمحن تولّد المنح.. ابحثي عن المنحة في زواج زوجك: ستجدين وقتاً لممارسة هواياتك التي كادت أن تندثر، ستجدين وقتاً لمزيد من البر للوالدين، لمزيد من التثقف والاطلاع، لأعمال تطوعية تزيدك سعادة بمذاق الإنجاز الرائع.. بل ولو لم يكن في زواجه بأخرى إلا الفوز ببعض الراحة من الارتباطات الزوجية (التي تشتكين من كثرتها في العادة) لكفى( وأنت عارفة وأنا عارفة!!).. أقول: قد تكونين ممن يهوى مزاج الحزن والنكد فتصر على التذكير بأنها لا تريد هوايات ولا إنجازات، وإنما تريد زوجها لها فقط، عندها لا أملك إلا أن أقول لك: الله يعينك..

8-  مالم يشتكِ منك زوجك تقصيراً معيناً فكوني كما أنت.. لا تحاولي أن تلعبي دوراً ليس دورك أو تعيشي شخصية ليست لك معتقدة أن هذا التغيير سيجعله يزيد في حبك.. هو يحبك كما أنت فلا تغيري قفل الباب.. المفتاح الذي معه لبيتك يفتح القفل القديم لا الجديد..

9-  ارفضي مقابلة الزوجة الثانية على الأقل في السنة الأولى مهما حاول الزوج أن يقنعك.. هذه من خراقات بعض الأزواج، يجسبون أنهم بذلك يؤلفون بين قلبي الزوجتين وإنما هم يضرمون نار الغيرة ويفتحون لأنفسهم أبواب المشاكل. أذكرك ثانية بوسوسات الشيطان الذي سيجعلك ترين كل ما هو جميل فيها ويغض طرفك عن كل قبيح، في حين يفعل العكس معك .. ستنتبهين فجأة إلى كبر سنك(ولو كنتِ أصغر من زوجك بعشر سنوات) وإلى شعيراتك البيضاء و(كرشك) الصغيرة وربما ستنقمين على اسمك الذي لا يحوي نفس (الدلع) الذي يحويه اسمها.. سأفشي لك سراً.. سنك الكبيرة تمثل له العشرة الطويلة بينكما، وشعيراتك يراها صبراً على نزواته شاباً و نزقه كهلاً، وكرشك فمصدر أبنائه الذي يفخر بهم، أما اسمك فستضحكين لو علمتِ أنه سيظل يناديها باسمك أنت لفترة لا بأس بها من الزمن. المهم أن ترفضي مقابلتها مهما تعذر لك حتى تستردي ثقتك بنفسك وبمكانتك عنده، والأهم من ذلك أن تمتنعي عن اللقافة والتجسس على جواله لقراءة الرسائل بينهما أو الاطلاع على أوراقه الخاصة، فمن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه، وقد تطلعين على ما يسوؤك فتظلين في نكد أنتِ في غنى عنه .

10-                     وأخيراً، إياك والنظر إليها على أنها عدوة.. لا أدعوك لاتخاذها صديقة ولكن لا تعاديها، فليس هناك ما يدعو إلى ذلك.. هي امرأة تبحث عن مصلحتها كما تبحثين أنت عن مصلحتك.. تريد أن يضمها زوج ويحنو عليها ابن.. ضعي نفسك مكانها ولا تخبريني أنك لو كنت مكانها لما قمت بهدم بيت من أجل سعادتك.. أرجوك دعينا من هذه المثاليات فأنا منذ البداية كنت صريحة معك ولم أ غشك! لا تعرفين لو كنت مكانها ماكنت ستفعلين!! أحسني إليها إن كانت تستحق الإحسان أما اللئام فليس لهم إلا التجاهل.. أحسني إليها وليكن تعاملك لها تعاملاً مع الله .. أحسني فلعل الله ينفعك بها أو بولدها يوماً من الدهر..

أما أنت أيها الزوج الذي تقرأ فرحاً بما خطه كيبوردي، لك تدوينة خاصة بك، فانتظرها !!

أكره النهايات

الخميس 25 ذي القعدة من عام 1441هـ، الموافق لـ 16 يوليو من عام 2020

مدونتي الحبيبة

اليوم انتهى تحدي الإجازة، آخر تحدٍ في عام 1441.

أكره النهايات.. فلسبب ما تذكرني بالموت مهما تفاءلت، ومع ذلك فكم أنا ممتنة لله الجليل أن وفقني لعقد التحديين الأخيرين رغم الظروف الصعبة التي كان العالم بأكمله يمر بها، ولكن تحدي العيد وتحدي الإجازة جاءا في الوقت المناسب: حظر، عزلة، أجواء تفوح برائحة المرض والخوف و القلق من مرض مجهول الهوية والمصير:

ارتد الكمامة والقفاز.

لا، لا ترتد القفاز، فقط الكمامة.

لا ترتد الكمامة إلا لو كنت ستزور كبارا في السن أو كنت مريضا.

لا تزر والديك وابق بعيدا عنهما فذلك أصلح لهما.

لا تقطع والديك وزرهما ولكن ابق بعيدا.

تخبطات، وتناقضات، ومع كل تخبط وتناقض تنقبض النفوس ويزداد الخوف ..

ولكن الله الكريم منّ علينا بهذين التحديين لننسى فيهما العالم الخارجي وقلقه وننغمر بكلنا في التحديات الصحية والحياتية ولنشعر أكثر بنعم الله ويزداد عندنا حسن الظن واليقين برحمة الله .

أكره النهايات .. سأترك أرواحا أحببتها رغم عدم اللقاء المسبق .. سأفتقد جو الإثارة والحماس.. سأفتقد الأسئلة المتعطشة للمعلومة الصحيحة.. سأفتقد الحميمية والمشاكسات والنكات والإبداعات التي تتحلى بها الكثير من المشتركات .. سأفتقد العصف الذهني آخر الليل لآتي لهم بتحد أسبوعي اسمه (تحدي الكوتش).

كم اكتشفنا من مواهب، كم سمعنا من قصص .. كم رأينا من عوالم في صدور المشتركات، مختلفة عن عوالمنا .. كل واحدة منهن كانت عالما بأكمله، فيه من الآلام ما يسليك عن آلامك، ومن الآمال ما يشجعك على تحقيق آمالك، فلست وحيدا.

أكره النهايات .. ففي يوم السبت ستعلن النتائج وتغلق القروبات، وتنفض المجالس ويذهب كلٌ إلى بيته..

سأضطر للانتظار حتى تحدي الخريف في نهاية شهر ربيع الأول..

أمنّي نفسي من الآن بلقاء دافئ مبهج في أول أيام تحدي الخريف حيث نتلاقى بعد غياب ..

غريب ومضحك !! لو رأيتنا يا مدونتي كيف نلتقي بفرح حقيقي ولهفة صادقة كأصدقاء التقوا في أول يوم دراسي، أو كأننا أبناء عائلة واحدة..  اليوم الأول من كل تحدي هو يوم عيد .. وفي كل تحد جديد تكبر العائلة ويحلو العيد..  وهذا من فضل الله فله الحمد والمنة..

شكرا لك يا مدونتي على حسن الاستماع .. كنت أحتاج لهذه الفضفضة بالفعل .. شكرا لك أن كنت معي في زمن كورونا .. حتما سأعود إليك بعد انقضاء كل هذه الفوضى .. سأقرأ، وأتعجب، وأتذكر، ولعلني أضحك، وأقول ذهب الظمأ  وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله .

السبت 30 رمضان 1441 ، الموافق لـ 23 مايو من عام 2020

مدونتي الحبيبة

انقضى رمضان، وجاء العيد. من قال إن رمضان كورونا سيكون تعيسا؟ أزعم أن رمضان هذا كان من أفضل الرمضانات التي مرت علي في حياتي. مر هادئا، مشعا، عذبا كما ينبغي لرمضان أن يكون، وصاحبناه في سكينة، واستقرار وتركيز كما ينبغي أن نفعل. لم أشتت نفسي في الجمعات العائلية اللانهائية، ولا في اللفلفة في الأسواق، ولكن مكثت في بيتي -مضطرة- أحاول الاستمتاع به لآخر قطرة، وأغترف من طاعاته قدر الإمكان، إذ أن كل ساعة تمر تعجل بمغادرته.

ثم غادر.. عندما أذن المغرب بكيت فجأة بكاء حارا.. لم تكن هذه خطتي! كنت قد قررت أن أظهر الفرح والبهجة بالعيد، ولكن ما إن أذن حتى تهاوت حصوني ومعاقلي وانخرطت في بكاء مرير وجم له أولادي.. أنا نفسي لم أعرف سببه. هل هو الفرح بالتمام؟ هل هو الابتهال لله بالقبول؟ هل هو حزنا لمغادرة هذا الشهر كما نحزن لرحيل أي حبيب يسكن في شغاف القلب؟

كانت الغصة في حلقي كبيرة حتى أني خشيت أن أشرق برشفة الماء.. تمالكت نفسي ألا أنتحب، ثم كفكفت دمعي وقلت بصوت مرتجف: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله، اللهم اجعلنا من المقبولين ولا تردنا مخذولين، ثم بدأ العيد.

أصارحك القول، أني -وعلى الرغم من بكائي لرحيله- إلا أني شعرت بالراحة. لم أشعر أني أريده أن يبقى أكثر من ذلك. لا أعتقد أنه يصح أن نفكر (يا ليت كل السنة رمضان)، إذ لو كان كذلك لاعتاده الناس وما عادوا يكترثون بقدسيته وجلاله. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم (زر غبا تزدد حبا)، فهذا رمضان يزورنا مرة في السنة، حتى إذا حل علينا التعب وبدأ الملل يدب في نفوسنا، رحل! يزور غبا لنزداد له حبا وشوقا وبه تمسكا.

بعد صلاة العشاء بدأت طقوس الاستعداد للعيد، بدأنا بنفخ البالونات ووضع الزينات. كنا في كل عيد في مثل هذ الوقت لا تعرف لنا بيتا يجمعنا: مشغولين في الاعدادات الأخيرة، إما في السوق لشراء شراب العيد أو نلملم بعضنا لنعايد على بيت الجد أو بيت الجدة (التي هي أمي)، أو نضع الزينة ونجهز ملابس العيد.. بعضنا هنا وبعضنا في بيت آخر، مشتتين متفرقين.. غفلنا عن صلاة التراويح وعن سنة التكبير.

هذه السنة كبّرنا، ووضعنا بعض الزينات أنا وبناتي، وأجرينا اتصالات مرئية مع أقربائنا الذين لم نكن نراهم إلا في غداء العيد على عجالة والنوم قد بلغ منهم مبلغه. أرَوْنا مخبوزاتهم وأريناهم زينتنا، فتحنا أناشيد العيد ورقصنا سويا، ضحكنا وتحدثنا وكأننا متقاربين. كانت هذه الاتصالات مواساة لقلوبنا جميعا. لأول مرة منذ زمن بعيد أشعر بهذه السكينة والغبطة في ليلة العيد.

اتفقنا على إجراء اتصالات أخرى يوم غد، نري بعضنا الهدايا وملابس العيد، والمزيد من الطقطقة والفلة سويا، إذ لن تكون هناك أي زيارات تسرقنا من بعضنا، ما لنا إلا بعضنا مع الحظر الكلي الكامل إلى رابع العيد.

العيد الحقيقي أن تختم رمضان بالطاعات وتستقبل يوم العيد وأنت بعافية ومع أهم أحبابك في أمن وإيمان. والكيّس من لا يسمح لأحد أن يئد فرحته.

كل عام وأنت بخير.

السبت 23/ 9/ 1441 الموافق لـ 16 مايو من عام 2020

مدونتي الحبيبة

شيء غريب حدث لي في الأيام الثلاثة الماضية. النعاس أخذ مني كل مأخذ.. تعرفين أني لا أنام خلال اليوم أبدا، وأني لا أواصل الليل بالفجر، ولكن في الأسبوعين الأخيرة صرت أسهر حتى قبيل الفجر بساعة ثم أستيقظ للصلاة وأنام لأعاود الاستيقاظ في التاسعة والنصف أو العاشرة. لا أعرف ما الذي يوقظني. عيناي مفتوحتان وقلبي لا يزال نائما. أحاول معاودة النوم ولكن هيهات، فأقوم أجرجر رجلي وأبدأ روتين صباحي لعل قلبي يستيقظ ولا فائدة.

بعد العصر، حينما تبدأ طقوس المطبخ يعاودني النعاس و لا يزال يتزايد حتى يقهرني النوم بسلطانه قبل العشاء. في الأيام الثلاثة الماضية كنت أنام قبل العشاء، وبعد الركعات الأربع الأولى للتراويح، وقبل الفجر، وبعد الفجر مباشرة ثم أستيقظ في العاشرة ولا زلت أرغب في النوم .

فعليا فكرت البارحة بشيء من الخوف أن هذا النوم لعله يكون إرهاصات بإصابتي بكورونا!

ما الرابط؟ لا أعرف، ولكني أذكر قبل سبع سنوات حين بدأت علاج الزوميتا الوقائي بعد الكيماوي كانت الجرعة الأولى هي الشديدة وتسببت في إصابتي بحمى عنيفة ليومين متتاليين (كأثر جانبي لتناول العقار لأول مرة). قبل أن تبدأ الحمى أذكر جيدا أني خلدت لفراشي ولفترة يسيرة من الزمن كنت أتمطع وأتثاءب كل خمس دقائق بشكل يثير التوجس. كنت كما يقولون أتمطع (من قلب). أذكر أن هذه الظاهرة لفتت نظري فأرسلت في تويتر تغريدة (حين كنت أعد هامورة بالعشرة آلاف متابع) أسأل فيها من يتابعني من الأطباء عن ما يمكن أن يكون خلف كل هذا التمطع المريب.

حسنا، لم أنتظر الرد إذ داهمني النوم لأستيقظ بعد 3 ساعات على حمى رهيبة كنت أنتفض منها انتفاضا عنيفا.

ما عليكم بالطويلة، فهذه الحكاية حكيتها في تدوينة يوم فاتني صوم عرفة .

المهم أني استيقظت اليوم وأنا في نشاط طيب ولله الحمد. اعتقادي أن تعب السهر الأيام الماضية مع ضغط اضطراري لطبخ طعام رمضان الخاص (شوربة ومعجنات وصنف ثالث يوميا) بالإضافة إلى حاجتي للمشي في الشارع بعد تناول العشاء وتوتر الحظر كله أدى إلى تلك الأيام الثلاثة النائمة.

أنا اليوم بأحسن حال ولله الحمد .. يارب ارفع عنا البلاء يا حي ياقيوم .

الأربعاء 20 رمضان 1441، الموافق لـ 13 مايو من عام 2020

مدونتي الحبيبة

متى بدأ رمضان ومتى مضى ثلثاه.. بقي القليل وسينقضي الشهر الذي أنتظره أحد عشر شهرا.. الأيام تمر بأسرع مما نتخيل. يا الله متى زرتكِ آخر مرة؟ ذاك زمن بعيد. ولكن في الحقيقة شيء ما يصدني عن الكتابة. أستثقل جدا فتح صفحتي والكتابة فيها مع أنني أقضي وقتا طويلا على مكتبي في استخدام الكمبيوتر، ولكن التدوين بالذات لا أعرف سبب ثقله على قلبي مؤخرا. في ذهني يدق جرس ممل: اكتبي مذكراتك في العزل، اكتبي مذكراتك في العزل!

ما من جديد إلا أني حصلت بفضل الله على اعتماد السجل السعودي لمحترفي اللياقة البدنية، فصرت مدربا شخصيا معتمدا، وكافأت نفسي على هذا الإنجاز بأن ابتعت دورة جديدة في تدريب النساء بالذات. كما انتهى تحدي العيد الذي امتد لشهرين متواصلين كانا  بمثابة طوق النجاة لي ولكثير من المشتركات انتشلنا من الإحباط والملل الذي صاحب الحظر، وأزعم أن التحدي قد آتى أكله مع أغلب المشتركات ولله الحمد والمنة، ويا له من شعور فائق الجمال أن يكون التحدي الذي ابتكرته مصدر سعادة وإنجاز على الكثيرين، وما هو إلا فضل الله .

لا زلنا في الحظر وإن صار جزئيا الآن، وتمكنت من زيارة أمي عدة مرات.. لازلت أشعر بالراحة والاطمئنان مع وجود هذا الحظر، صرنا نتناول أغلب وجباتنا سوية، وآنس لسماع صوت جيراننا وهم يضحكون في ساعات متأخرة من الليل. ولكن الموقف يزداد غرابة. هذه القرية الصغيرة اختبأ سكانها في بيوتهم وما عادوا يجسرون على الخروج إلا خلسة خوفا من عدو خفي يتربص بهم في أكف أصدقاء أو أقرباء أو زملاء أو مجرد عابري سبيل، ومن يخرج لغير حاجة فما هو إلا (مهايط) قد يدفع ثمن (هياطه) قريبا..

أنا أيضا أحاول هذه الأيام التقليل من الخروج. أحاول التشبث بلحظات رمضان والاستمتاع بها لآخر قطرة ولولا غياب صوت التراويح لكان الوضع شبه مثالي عندي. غياب صوت التلاوات من المساجد المجاورة يؤلم قلبي. هذا الشهر الذي أنتظره طوال السنة يأتي بدون طقوسه الحبيبة، وأعلل نفسي: جربي يا هناء رمضان بمذاق جديد. بلا أصوات التراويح ولا اجتماع الأهل على موائد الإفطار، ولا تحضيرات للعيد الذي سيكون فيه حظر تام، وحاولي أن تستخرجي حلاوة رمضان من غير ما ذُكر، وإنما من الذكر والعبادة التي يظل أثرها فعلا.

لا أعرف ما عساي أن أدون من ذكريات العزل؟ الأيام متشابهة عند الجميع (ألم أذكر هذه الجملة في تدوينتي السابقة؟). لابد أنك تلاحظين حيرتي في الكتابة، ولكني خالية الوفاض حقيقة. كتبت فقط لأرتاح من هم التفكير ومن طنين الجرس المزعج في ذهني: اكتبي مذكراتك في العزل، اكتبي مذكراتك في العزل!

نسيت أني المرأة الحديدية !

الجمعة: 10/ 8/ 1441، الموافق لـ 3 إبريل من عام 2020

مدونتي الحبيبة

لم أكتب لك من أربعة أيام، ولكني أنشغل طوال اليوم ولا أذكر إلا قبل النوم، حين تغبش الرؤية وتطيش الأفكار ويبسط النوم سلطانه على الأعضاء. عجيب كيف يضيع الوقت بهذه الطريقة في الوقت الذي يشتكي فيه الناس طول الفراغ.

  • تلوين؟ نعم ألون يوما وأترك أسبوعا. أحب فقط اقتناء هذه الأشياء، وأتمنى الأماني الفارغة لو كنت أمارسها، وفي الحقيقة أضن بوقتي عن ممارستها. فيم يضيع هذا الوقت؟ غالبا على الجوال للأسف.
  • دراسة ؟ لا كذلك . أمسك بدفتر التلخيصات ، أقرأ صفحتين ثم فجأة لا أعرف ماذا يحدث ويأتي وقت النوم .
  • أنتظر رمضان بشوق كبير. كانت صديقتي تحدثني اليوم وتقول: ليت رمضان يأتي بالفرج حتى ترتاح قلوبنا. قلت لها: وإن لم يقدر الله الفرج قريبا، فرمضان وحده فرج. تخيلي معي يقدم بالأنوار والرحمات المتنزلات، يغسل قلوبنا وتغشانا السكينة بعد هذا القحط المجدب في الآونة الأخيرة.  لعل خيرا لنا أن نقضي رمضان في بيوتنا، دون الجمعات العائلية التي تضيع الوقت و الكثير من الحسنات.
  • حقيقة يا مدونتي لم أعد أعرف ما عساي أن أكتب لك، وربما كان هذا هو سبب تقاعسي عن الكتابة الأيام الأربعة الماضية . لم يعد هناك ما يقال . أيامنا غدت متشابهة، أمسنا مثل غدنا،  وكذا مشاعرنا. لا أريد الآن أن تستشفي من كلامي أي تسخط ، ولكني أحكي لك فقط الواقع.
  • قبل أن أرحل ، فقط أريد أن أعلمك أن تعبيري: “رباطة الجأش” و “حمي الوطيس” يضحكاني. هل لنا أن نستخرج منهما تصاريف مختلفة؟ هل لنا أن نقول مثلا : الشيء الفلاني يربط جأشي، وجأشي مربوط؟ هل يصح أن نقول: الوطيس حامٍ. لا تبالي يهذرة آخر الليل ، فقط كنت أفكر بصوت عال.

تصبحين على خير، وإلى لقاء آخر .. متى؟ لا أعلم، حين تتجدد بعض الأفكار لئلا أكون مملة .

الأحد 5/ 8/ 1441، الموافق لـ 29 مارس من عام 2020

مدونتي الحبيبة

اليوم اتخذت الدولة وفقها الله المزيد من الإجراءات الصارمة فقدمت حظر التجول في جدة إلى الثالثة عصرا، مما يعني أني لو أردت تناول أيا من الأكل السوقي فيجب أن يكون ذلك في الثانية عشر ظهرا. خيرة …

المهم أني ذهبت اليوم إلى البقالة الكبرى في الحي، و هناك فوجئت بأنهم يقيسون حرارة كل شخص قبل أن يدخل. حين جاء دوري وفي أقل من ثانية دارت في ذهني التساؤلات: ماذا لو كنت حرارتي مرتفعة؟ سيمنعونني من الدخول؟ سيطلبون الإسعاف؟ سينظر الجميع إلي في خوف ورعب؟ لبرهة أحسست أن الثانية قد صارت ساعة، وأن مصيري متوقف على هذا الميزان. طيب الجو حار وأوقفت سيارتي بعيدا، ماذا لو كانت حرارتي مرتفعة بسبب الحر، وفي أثناء التفكير أشار الموظف بيده أن أدخلي! فقطع علي حبل خوفي ولله الحمد. هذا الإنسان عجيب، ماهر في اختلاق المخاوف والسيناريوهات المرعبة، وفاشل -إلا من رحم الله- في الاطمئنان والتسليم وإحسان الظن بالله.

عندي خوف آخر.. أمي حفظها الله يزداد نسيانها كل يوم . لا ليس الزهايمر، ولكنه النسيان المتعلق بالكبر عند الكثير من الناس. والبعيد عن العين بعيد عن الخاطر. أخشى أن تنتهي مدة الحظر وتنساني. حسن، أنا أعرف أنها لن تنساني تماما، ولكن يقلقني أنها لم تعد تتفقدني. تعلمين الاتفاق بيننا أنها هي من تتصل لأن مواعيد نومها غير مستقرة، وتغلق جوالها وهاتفها على الدوام. لم تكن كذلك قبل سنتين .

الكبر مؤلم .. الحياة كلها مؤلمة.. هذا الحظر مؤلم.. في داخلي اليوم حزن عميق .. لا ليس خوفا من المرض، ولكنه حزن. شوق لأمي وأخواني وأولادي وصديقاتي توائم روحي، شوق لرمضان والتراويح، شوق لجَمعات رمضان (التي لعلها لن تكون هذه السنة)، شوق للمدينة، شوق لأشياء أخرى لا أعرف ماهيتها. هل أنا اتحلطم الآن؟ هل أنا دراما كوين الآن؟

أحمد الله العظيم أن هداني لتحدي العيد يمتص من وقتي وتفكيري الشيء الكثير.. ومع ذلك ، لازلت اليوم حزينة ..

 

 

السبت 4/ 8/ 1441، الموافق لـ 28 مارس من عام 2020

مدونتي الحبيبة

لا أعرف ما يمكنني أن أكتب اليوم . ما من جديد.. كيف يمكن لأيامنا أن تكون متغيرة متجددة ونحن نواجه نفس الأشخاص في نفس البيت بنفس الظروف يوميا. أعني أنا لا نخرج ولا نقابل أشخاص آخرين لتتجدد الأحداث فأكتب عنها، ولكني سأحاول.

  • اليوم تمرنت لليوم الثالث منذ بداية الحجز في ناديّ المنزلي الصغير. لم يكن تمرينا سيئا ولكنه بالتأكيد لا يصل لجودة تمارين النادي. لا بأس، علينا أن (نمشّي حالنا) بما عندنا ولا نترك للأعذار مجالا للتشتيت و التخذيل. ولكني أؤكدلك أنه كان تمرينا (مشّي حالك) بالفعل 😦
  • انتشرت التوصيات اليوم بالخروج إلى الشرفات والأسطح في الثامنة مساء لأداء السلام الملكي جماعة. تحمست للفكرة وخرجت وانتظرت إلا أن الصمت كان في حينا الهادئ يملأ المكان، ولا أدري أكنا الوحيدين في الخارج أو كان هناك غيرنا ينتظرون في صمت مثلنا.
  • الحمد لله على تحدي العيد. لا زالت تردني رسائل الشكر والحمد لله على هذا التحدي الذي شغل أذهان المشتركات عن كورونا، وأوقاتهن بما يعود عليهن بالنفع والفائدة الثقافية و الصحية. ففي التحدي يحصل دائما أن تتقارب ارواح المشتركات وتنعقد الصداقات القوية وتخلد الذكريات الحميلة في الأذهان. دائماً تحدياتي تنجح بفضل الله تعالى ثم بدعاء أمي ..
  • تذكرين الألوان التي اشتريتها. لم أفتح العلبة منذ ذلك اليوم. لا أعرف والله أين يضيع وقتي. لا أخرج، ولا أدرّس أحداً من البنات، وأستيقظ مبكرة، وأنام في وقت متأخر نسبيا، وأكتب قائمة فيها 5-8 من المهام، ثم ينتهي يومي ولا زالت في القائمة مهمتان أو ثلاث لم تتم بعد. أهو سوء تدبير أو تضييع للوقت في وسائل التواصل أو ماذا؟
  • عليّ أن أذهب الآن، فأنا أكتب هذه التدوينة ولأول مرة بعد الثانية عشر ليلا . الحمد لله أني أتممت كتابة تدوينة اليوم، صحيح أني حشوتها بغبر المفيد من الكلام، ولكن لأرضي ضميري.

الجمعة 3 /8 / 1441، الموافق لـ 27 مارس من عام 2020

مدونتي الحبيبة

شاهدت البارحة مقطعا في تويتر لبعض من وُضعوا إجباريا في الحجر الصحي، حيث لا يزورهم أحد، وشهدت بعضا من معاناتهم. على الرغم من أن بعضهم في غرفة في فندق فاخر إلا أنه في نهاية الأمر (محبوس).  وحمدت الله على الحجر (الدلوع) الذي يعذبنا ويكاد يخرجنا عن طورنا. أنا مع عائلتي سوية، نروح على بعضنا البعض ونغدو، ونتريض في الشارع ونخرج بالسيارة للحاجة ونطلب من الطعام السوقي ونشعر بأنا في ضيق وبلاء، فكيف بالمحجور عليهم فعليا وهم في حجراتهم 24 ساعة يهددهم خطر الانتكاس أو الموت وتضيق عليهم الوحدة والقلق؟!

أمر آخر.. اليوم بحمد الله ذهبت لزيارة أمي. أعرف أني قلت من قبل أني لن أزورها إلا بعد مرور أسبوعين على آخر اجتماع لي مع العالم الخارجي، ولما يمض بعد، ولكن الشوق بلغ من كلينا مبلغه فتوكلت على الله واتخذت احتياطاتي. خلعت حذائي بالخارج، وخلعت عباءتي في حجرتي القديمة، غسلت يدي بالصابون لأربعين ثانية ثم دخلت عليها. متعت سمعي بصوتها الحبيب وهي تقول في جذل جملتها المعتادة (إيش المفاجأة دي). هذه المرة نعم هي مفاجأة . أرسلت لها قبلا وأحضانا في الهواء وجلست في مقعد بعيد عنها.

لم أتمكن من التأخر عنها أكثر من ذلك ، فلازال عقلي يخوفني بأني قد لا أتمكن من رؤيتها بعد اليوم . تعلمين أن الشيطان ينتهز مثل هذه الفرص حين يكون المرء هشا أو مضطربا فينسج في ذهنه الخيالات وألأفكار السيئة . حسنا، حسبت أني لن أسامح نفسي لو أن والدتي توفاها الله في مدة الحظر. الحمد لله هي لا تشتكي سوى الكبر، ولكن أجل الله غير معلوم.  وحتى لو توفاني أنا الله فعلى الأقل رأتني ولو لوهلة، ولو بلا قبل ولا أحضان.

الحو في الخارج مغبر جدا والرؤية ضعيفة والهواء قوي. يعطي إحساسا بأنه غضب من الله ، أو أنه يوم القيامة خاصة مع جو كورونا العام. طبيعي هذا الإحساس. ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الريح ويتغير وجهه إذا ما رآها؟ لا بأس، نعوذ بالله من شر هذه الريح وشر ما أرسلت به ، ونسأله خيرها وخير ما أرسلت به. نحاول أن نحدث عبادات صغيرة مستمرة متوافقة مع الظروف وننتظر الخير من الله .

على فكرة : تمكنت اليوم بفضل الله من الاستماع للدرس الفجري. استمر نصف ساعة فقط فلم يخرب نومي .. اعتبرتها بديل للنصف الساعة التي أقضيها بعد الفجر عادة على وسائل التواصل.

 

الخميس 2 /8/ 1441 ، الموافق لـ 26 مارس من عام 2020

مدونتي الحبيبة

اليوم انتبهت أني لم أعد أسمع هدير الطائرات وهي تمر قريبا من بيتي. عجيب أني لم أفتقدها. الهدوء يعم المكان، ولولا بعض العصافير في أشجار الأفنية المجاورة، وأصوات الطرق والنشر التي يحملها الهواء إلى مسامعي من البيوت التي تبنى في الحي لكان الصمت قاتلا.

ومع ذلك فليس الأمر بالسوء الذي تتصورينه. صرنا نفرح بصوت جرس الباب إذا رن، ويهرع الجميع ليرى من الطارق (ألا يذكرك هذا بنا ونحن صغار؟). صار عبد الله مضطرا لتناول طعام العشاء من البيت بعدما كان يأكل يوميا من الطعام السوقي، وذاك أمر كان يزعجني جدا. صرت أشعر بالمزيد من الأمان ليلا لأني أعرف أن كل جيراني في منازلهم، والسيارات تملأ الشارع، فمن المجنون الذي سيفكر في تسلق جدار ما ليسرق؟

وبالرغم من جميع الفرص لشقلبة أوقات النوم إلا أني مازلت على نفس نظامي ولله الحمد، إذ أنني امرأة صباحية ولا أستطيع العمل بكفاءة مساء. لذا فلا زلت أنام في الواحدة (متأخر أعترف)، واستيقظ في التاسعة. أتمنى بشدة أن أظل مستيقظة بعد صلاة الفجر لأستمع إلى محاضرة أو أؤدي عملا مفيدا ولكن هذا النوم المتأخر لا يساعدني في ذلك أبدا.

تعرفين؟ لعلي أنشئ لنفسي تحديا في سماع درس الشيخ عبد الرزاق البدر بعد الفجر ثم النوم بعده . نعم. أعتقد أني سأفعل هذا ، فرمضان على الأبواب ولابد من تهيئة القلب لاستقباله خاصة في هذه الظروف العجيبة.

شكرا لك مدونتي، لقد ألهمتني بعمل شيء جيد وسأبدأ به إن شاء الله من الغد 🙂

 

الأربعاء 1 /8/ 1441 ، الموافق لـ 25 مارس من عام 2020

مدونتي الحبيبة

أنا اليوم أفضل ولله الحمد. كل يوم تطلع فيه الشمس تتغير نفوس بني آدم عن اليوم الذي قبله. بل لعلها تتغير في نفس اليوم. بقي على رمضان شهر واحد. رباه كم أشتاق له. متفائلة جدا برمضان هذه السنة، فقط أدعو الله ألا يحرمنا سماع صلوات التراويح وحضورها بذنوبنا.

اشتريت أمس علبة ألوان كبيرة وأوراق الكوتشينة (لأملأ بها الفراغ الحادث هذه الأيام). مضحك .. هل بالفعل أمتلك وقت فراغ كبير -أنا هناء الحكيم- لأملأ بعضه بالتلوين ولعب الورق مع البنات؟ الكل يفعل ذلك على العموم، ولكن هل أحتاجه بالفعل للحفاظ على رباطة جأشي، أم أن هذا الأمر غدا من أدبيات المرحلة: أنا في عزلة إجبارية، أنا مع الأهل، لا أذهب للدوام، لابد أن أفرغ طاقتي السلبية في التلوين أو الأعمال اليدوية وأعطي الأهل (كواليتي تايم) باللعب معهم!!

عموما، لا أعدك بأني سألون كثيرا، فعلى الرغم من حبي لاقتناء الأدوات المكتبية إلا أني قلما أستعمل منها غير الدفاتر الكبيرة وأقلام الجامعة متعددة الألوان غالية الثمن والتي لا تنفك تضيع وكأنما هناك جني يسرقها على الدوام. سأحاول تخصيص خمس دقائق لفعل ذلك.. سأحاول فقط لمجاراة الجميع.

لا زال حالات جديدة من الكورونا تكتشف وبعضها لمشاهير في السناب ، وهذا يعني انتشار المزيد من القلق والخوف. وقبل قليل صدرت الأوامر الملكية بتقديم موعد الحظر إلى الثالثة بدلا من السابعة في كل من الرياض ومكة والمدينة، ومن الوارد جدا تعميم هذا الأمر على باقي مناطق المملكة. ومع أني لست متضررة من هذا التقديم لمكوثي في البيت في جميع الأحوال، إلا أني لا أخفيك أن الأمر يزداد صعوبة وتوترا. حسنا، لننظر إلى ذلك بشيء من الإيجابية والتفاؤل. ألم يقل الأول:

اشتدي أزمة تنفرجي   قد آذن ليلك بالبَلَج

ليس لي من الأمر شيء إلا أن أتطير وأقلق (وهذا لن يغير من الأمر شيئا) ولا أحب النكد، أو أن أتفاءل بانجلاء الغم قريبا مع الصبر والاستعانة بالله. أعتقد أن الخبار الثاني أعقل وأحكم، وما خاب من قصد الله.